الأحد، 1 أبريل 2018

الريـع الـثقافـي والمدرسة الإصلاحية ( III )


الريـع الـثقافـي والمدرسة الإصلاحية





 من المعلوم أن العالم العربي والإسلامي ، كان يرد على التحديات ، بما في جعبته من أفكار ورثها ، فهي لا تسمح بالتعديل ، ولا التسوية ، ولا بالإضافة ، إستعارة أو إبداعا ، وما تحت يده من سلاح متواضع إشتراه ، أو أخذه من العدو ، بحيلة من الحيل ، أو إعانة من قريب شقيق ، أو بعيد له غرض من الأغراض ، قد يكون فيه للإيديولوجيا الأولوية ، هذا فيما بعد .
العمدة في رفع هذا التحدي ، أو قهر العدو ودحره ، الإيديولوجيا ، واليوتوبيا ، والمخيال ، أو حضور الماضي الزاهر ، بكل زخمه ورموزه ، إنتصارا به ، وبزمنيته ، وكم كانت هذه البنية التحتية ، بعكس ما تقول الماركسية _ ثقيلة ومتحكمة وساحقة _ أخشى أن أقول : أن الجانب السيكولوجي فيها ينوب عن العقل ، واللاوعي فيها يسبق الوعي ويقوده ، والتقليد فيها يقتل التجريب الفكري ، وينمط التجربة العملية ، أو أن حكايات الأجداد أحرى بأن تتبع ، وهم أولى بنا من أنفسنا ، لاغرابة في هذا ، ولعل أكثر الأمم ليست بمنجاة عنه ، ولامحصنة بعدم الإصابة به ، فالأمم لما تودع مواقعها الممتازة ، أو تنقطع عن مصادر إلهامها ، وبؤر تفجرها ، وقدرتها على المغامرة ، والإصرار على حماية بيضتها ، وإنما الغرابة كل الغرابة ، في أن تستنيم الى الماضي ، أو تكتفي بكنوزه ، وتستمرئ العيش على فهم وإنجاز الآخرين ، حتى ولو كانوا أجدادا ، تنسى نفسها .
ربما سوط الإستعمار ، ولسع التخلف ، ووجدان الحاجة الى إثبات الذات ، وإنفتاح النخب على الغرب ، والسفر إليه لطلب العلم ، وما يتبع ذلك ويعقبه من إحتكاك ، وإطلاع على أحوال القوم ، وعلى مدنيتهم وحضارتهم، حرضهم على تلقف فكرة التقدم ، خاصة وأن ما رأوه ولمسوه كان مبهرا ، وكان مثيرا ، وكان باعثا لأسئلة شائكة ، وعلامات إستفهام حرجة ، هذه الأسئلة ، وهذه علامات الإستفهام ، تمحورت حول محل النهضة ، أو مشروع بعثها ، لم يستقم في أذهان رجال النهضة ، ومفكريها ، ورجال الدين ، أن يخذلنا هذا التراث الواسع ، وهذا الإحتياطي من التجربة والخبرة ، فيما نحن في أمس الحاجة إليه ، أو نحن أحوج ما نكون إلى بعثه وتفعيله ، وفي نفس الوقت لم يخطئ نظرهم ، ولم تخنهم رؤيتهم ، في وجدان ما عند الآخر ، مما يثمن ويصح الأخذ به ، فطفقوا يأخذون من المفاهيم والمصطلحات والمؤسسات والنظم ، بحسب ما يقابلها ويوائمها بتقديرهم ، في منظوماتهم العقلية والروحية والرمزية ، وهو في أكثر الأحيان تعسف أو إخفاء وحجب لشق أو هوة ، بين المنظومات والسياقات ، وربما جفاء بين المنقول والمنقول إليه ، ولكنه على كل تخفف نسبي من الريع الثقافي ، أو المدرسانية التي كرست منذ المدرسة النظامية ، فعلقت الإبداع الى أجل غير مسمى ، ولانقول أماتته ، ورسمت مذاهب للتقليد الفقهي معدودة ، ومنحتها جواز سفر ، خلعت عليها العصمة ، أو قريب من ذلك ؟! ، وكأن النص المقدس « القرآن الكريم» و «الحديث الشريف»، إستنفدت إمكانياته ، ونفدت طاقته على العطاء والإلهام ، والتبصرة والتنوير ، أو لا حاجة إلى ذلك لأن الحوادث والوقائع وصلت الى الإنهاك ، أو لم يعد بها نفس لمواصلة التجدد ، فأخذت تتكرر ، أو تكر سبحتها عود على بدء .
هل وفق رجال الإصلاح .......؟ ، الى أي مدى قد وفقوا ........؟ ، لاشك أن خيارهم كان موفق ، وكان ممرا إجباريا ، وكان متطلبا على جهة الحتم ، جربوا تفكيرهم في النهضة ، وحصروا مهمتهم فيها ، وجهدوا في أن يكون الوعي بها نافذا وضاغطا وواعدا ، وذلك لأن جوهر النهضة ليس شيئ آخر سوى المشاركة الإيجابية ، المادية والروحية ، في الإنجازات الحضارية ، وفي المحصلة فإن الوعي هو الشعور العميق بالوضعية التاريخية غير اللائقة ، وبالعجز والقصور عن إلتقاط العناصر التي مازات تتمتع بالحياة ، في الحقل الثقافي الأصلي ، أو الآصالي ، ولم يفلت الواقع أو بالأحرى قطاع منه من يدها بعد ، ولم تندفع للإنكباب على مفردات الواقع ، أو مشخصاته الموجودة في حالتها البكر ، أو التي غزته ، وإندكت في جسمه ، بمعنى أنها بقت خارج منطقة الوعي ، أو أن الواقع إستعارها لعوز وفاقة وظيفية .
إذن من التساهل ، الذي لايسمح به ، أو العذر الذي يرد على صاحبه ، أن نمر بهذه المدرسة مرور الكرام ، فلا نعتبر إجتهادها ، حد فاصل بين مرحلتين ، وأنه أي هذا الإجتهاد ، كان تقديريا ، ونقديا الى مدى ما ، وأنه كان محرر من المنطق القرسطي ، ومن إنحطاط ذلك الواقع ، أو من الإتكالية ، والتفسير الخرافي للحياة ، والتأويل الميثيولوجي للدين ، وبالرغم مما وجه من نقد للمدرسة الإصلاحية ، كإنتقائيتها ، وتوفيقيتها ، وهشاشة إرتباطاتها بقوى إجتماعية محددة ، لها مصلحة في التغيير ، ولها ثقل إجتماعي ، ووزن إقتصادي .
أو أن ذلك كان متعذر عليها ، وليس بمقدورها التفكير فيه ، ولاترجمته إلى نشاط على الأرض ، حافزا ، ومقلبا لتربة المجتمع ، مثيرا ، ومقلقا ، للذهنيات ، وللمشاعر ، دافعا ومحفزا ، للحراك الإجتماعي ، لينتظم ويتهيكل ، ثم يستقر في مكان المبادرة التاريخية ، أو يكون رجع صدى نفس النهضة ، ومفعول قدرتها وإرادتها ، هل هذا الوجه كان مستبعد على جهة التفكير ، لأن هذا الأفق سقف لم يزل بعيدا ، فضلا عن أن يكون من مشمولات المشروع ، لأن المعطى الواقعي المادي غير متوفر : _ نظام وطني ، أو قومي ، متمحور حول الذات ، منخرط في بناء الأمة ، مسهم في تشكيل الطبقات ، مدعم ومبلور ومنضج لقوى إجتاماعية ترتب ساحة للمواطنة ، وحيز لبروز مجتمع مدني ، مخفف وموازن لسلطة الدولة ، ومتنفس في نفس الوقت .
وعليه فإن المدرسة الإصلاحية ، لم تستدبر الفضاء الوسطوي تماما ، أو بقيت لها فيه قدم ، أين قدمت خدماتها لنظام إمبراطوري متهالك ، لايملك القابلية لذلك ، سيرته الذاتية محزنة ، وليس فيها من العناصر مايمكن الإنطلاق منه ، ولافيها من المعنى مايغري بالثقة به .
يمكننا أن نغامر بالقول : أن هذا الإجتهاد الفكري ، وهذه القراءة المبتكرة للدين في حينها ، وهذا التأويل للتراث ، لتحيينه ، وجعله معاصرا لنا ، بصرف النظر عن العيوب التي رصدها النقد ، وتحفظ عليها ، فإن هذه الذخيرة كانت منطلقا لتيارات فكرية متنوعة ، كالتيار الليبيرالي برموزه المعروفة ، كالعقاد ، وطه حسين ، وأحمد أمين .......، وللتيار اليساري ، وللتيار الإسلامي ....، والتيارات السياسية ، كالتيار القومي الناصري ، والتيار البعثي بشقيه ، العراقي والسوري ....

 السيد محمد الفاضل حمادوش


* المقال القادم بعنوان : الصحوة والمقاومة والممانعة 

الريـع الـثقافـي والمدرسة الإصلاحية ( III )

الريـع الـثقافـي والمدرسة الإصلاحية   من المعلوم أن العالم العربي والإسلامي ، كان يرد على التحديات ، بما في جعبته من أفكا...